ادبيات

رحلة فارس الفنون الشعبية الفنان التشكيلي المتمرد رفيق شرف – الحلقة الأولى- كارينا ابو نعيم

كارينا ابو نعيم

لا تنحصر ولادة العباقرة في تاريخ معين، وتأتي الشواهد عبر الذاكرة البشرية لتدعم نظرية أن لا مكان ولا زمان محددين لولادتهم. من قال أن ابن بعلبك، مدينة التاريخ المجيد، و سهل البقاع المزركش باللألوان والأشكال، سيصبح في يوم من الأيام فناناً تفتخر به مدينته التي حملها معه في قلبه وعقله منذ الصغر حتى اللحد.
إن العباقرة هم من أصحاب الطبائع الغريبة والمميزة، فلهم خصائص تواكبهم منذ نعومة أظافرهم حتى آخر حياتهم. رفيق شرف ابن السابعة من عمره،كان متمرداً رافضاً الدخول الى المدرسة معتبراً إياها سجناً كبيراً، لذلك استمر في تلقي علمه حتى بداية المرحلة المتوسطة وبعدها ترك المدرسة وبدأ رحلته الفنية.
في ورشة والده المتخصصة بالحدادة إنصرفَ رفيق لمساعدة أبيه في صناعة المجسمات والأشكال الغريبة التي كانت تشبه في بعض الأحيان الأسلحة الحربية.
 من بعلبك الى بيروت
لا عجب أن تتبلور لديه هذه الرؤية الفنية وهو من احتك صغيراً بالمعادن والألوان والورق. فقد عاش في بيئة تركت فيه ملامح شخصية الفنان المستقبلية. فسهل البقاع كان حاضراً في مجمل لوحاته، وبئس الحياه فيه قد ترك آثاراً عبر لوحاته التشكيلية وصراعه مع نفسه وهو شاباً امتزج مع ضوضاء العاصمة بيروت ليفجر صرخة الفنان. و في السابعة عشرة من عمره، أعد رسماً للملك عبد الله ،ملك الاردن، مما دفع بإحدى المجلات البيروتية الى نشره على صفحاتها عام 1949.
إن فناننا قد بدأ رحلته الفنية بتعلم تقنيات الرسم بالوان الباستيل والألوان الناشفة عبر محاولات فردية للاقتراب من عوالم الرسم. وقد نجح شرف في أوائل الخمسينيات من القرن المنصرم في الحصول على تقدير أهالي بعلبك مما حدا بهم الى منحه لقب “فنان بعلبك”، وأقام معرضاً في “مقهى العشائر” حيث نال التهاني والتشجيع. نصحه كثيرون بالتوجه نحو التخصص الأكاديمي في فن الرسم والتصوير، لذلك توجه نحو مدينة بيروت أم العواصم.

 من بيروت الى مدريد

وهكذا أسرج رفيق شرف حصانه وغادر منزل والديّه في “حي الشميس” تاركاً ذكرياته وبيته وأوراقه وأقلامه الرصاصية وتوجه نحو العاصمة بيروت.
وفي نظرة وداع، رمق أطراف هذه المدينة الممتدة باسترخاء تاريخي في حضن البقاع وألقى عليها نظرة أخيرة ومضى في طريقه.
عندما وصل بيروت في العام 1952، كانت رائحة الطين ما تزال عالقة في ثيابه وعلى أكتافه ينام ندى الصباح.
غادر بعلبك من غير أن تغادره هي. غادر وأخذ معه السهل الواسع والطير الجارح و بيوت الطين، السياجات، الفضاء النقي، الغيوم ،الوجوه العتيقة، الزوايا والدوائر، اللون الأسود والأزرق، الأخضر والأبيض. حمل معه أخبار الصغار والرجال الأشداء. أخذ معه رائحة البساتين وثلج الليالي وصوت الريح في أشجار الصنوبر وبرد الشتاء.
أبحر فارسنا في تخصصه داخل حرم الاكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة(ALBA) حيث غرف من المعارف والخبرة الفنية الكثير. تعرف هناك على شخصيات اثرت ايجابياً على مسيرته الفنية.
لم ينسى إنه ابن بعلبك و بقيت سماء هذه المدينة مُظللة على جميع أعماله الفنية.
وجاءت المنحة الدراسية المعطاة إليه بُعيد تخرجه من الأكاديمية عام 1956 كجائزة أولى في تقدمه الفني، فحمل زاده وسافر الى مدريد.
رسم الطبيعة في اسبانيا من خلال ذاكرته. رسم البيوت الفقيرة التي ذكرته ببيوت مدينه بعلبك. وقف تحت أشعة الشمس الحارقة التي ما تغيرت عليه، و تلك السهول وهذه الطبيعة المماثلة لطبيعة أرضه : صحراء وسهل، قساوة ونعومة وفقر وبئس.
وفي زحمة الدراسة، منحته الظروف أن يلعب دور المترجم للملك سعود بن عبد العزيز مع الجنرال فرانكو أثناء زيارة الملك الى اسبانيا عام 1958 ،وكان ذلك دلالة على اتقانه اللغه الإسبانية، وهو المعروف بقدرته على اتمام ما يرغب في عمله دائماً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »